لم يقتله من أخرجه بل من أطلق النار عليه
هناك خطاب عادة ما يسعى له الطرف المتفوق عسكرياً وهو الظهور بأنه حريص على حياة المدنيين العُزل في الطرف الآخر وأنه يلاحق فقط "الإرهابيين" ، لكن هذا الآخر الإرهابي -وبكل أسف- يتمترس خلف المدنيين العُزل .
إستخدم الصهاينة هذه الذريعة في إعتدائاتهم المكررة على الفلسطينين ، حيث يروجون للعالم أن المقاوميين الفلسطينين غير مكترثين بالحياة الإنسانية ، وأنهم يضعون الأطفال والنساء أمام المدرعات أو في الأماكن الخطرة لكي يقتلهم الإسرائيليون ومن ثُم يقولوا للعالم : "أنظروا ، الإسرائيليون يالهم من أشرار" ، بينما الإسرائيلين بكل برائتهم المعتادة "لم يكونوا يقصدون القتل بهذا الشكل" .
مايريد هذا الخطاب إيصاله للمتلقي هو أن قصف الطيران الإسرائيلي لمبنى يعج بالمدنيين العزل من أجل إغتيال قيادي عسكري أو سياسي يسكن فيه ، لا تتحمل "آثاره الجانبية" -والمقصود هنا بخطابهم مقتل المدنيين العزل- إسرائيل بل القيادي نفسه لأنه "إحتمى بهم" ، وكأنه شيء زائد وضار منهم وليس جزءاً من الشعب ويحظى بدعمهم .
هذه الأطروحة لها غرضان أساسيان ، الأول هو نعت الآخر بالهمجية ، والثاني إظهار المقاومة بأنها نتاج عدد من الإرهابيين المتعصبين الذين ليس لهم علاقة بالشعب ولا يحضون بدعمه .
هذا الخطاب ليس حكراً على الصهاينة بل إستخدمته فرنسا في الجزائر وأمريكا في فيتنام ، وفي هذه الأيام يستخدمه بإسفاف مبرري جرائم الداخلية في مصر ، رغم أن هذا الخطاب خطاب جيش إحتلال ضد شعب مُحتل ، ورغم أيضاً أن هذا الخطاب خطاب مقاتل ضد مقاتل وليس خطاب عسكري ضد سلمي -في المجمل- ، حيث يتحدث خطابهم عن أن فض الداخلية للإعتصامات و "الآثار الجانبية" المترتبة على ذلك لا تتحمله الداخلية بل يتحمله الإخوان ومن إعتصم معهم ، فقتل قناص للداخلية لفتاة عُزلى لا تتحملة الداخلية -حاشاها- بل يتحمله من أقنعها أو "غرر بها" للإعتصام تعبيراً عن رأي سياسي لها .
ذلك الخطاب يبدأ بثانياً ويتجاهل أولاً ، يبدأ بحماقة الإخوان وهي ثانياً أو حتى ثالثاً ويتجاهل -عن عمد أو غير عمد- أولاً وهي إجرام وقتلة الداخلية ومن خلفهم ، رغم كل الدماء التي نزفت لا يرون من المشهد إلا حماقة قيادات الإخوان -وهم حمقى بالفعل- .
من قتل المعتصمين في رابعة والنهضه وما قبلها من اعتصامات وتظاهرات من ٢٥ يناير وحتى يومنا هذا ليس من أقنعهم بالتظاهر والإعتصام أو "من أخرجهم" بل من أطلق النار عليهم ، لأنه من يقول بأن من قتلهم هو من أخرجهم يجب عليه أن يلعن خالد سعيد فهو أشهر "مجرم ومحرض" في تاريخ مصر الحديثة .